الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (8] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ كِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ وَالْمُحْكَمُ مِنْ آيِهِ مِنْ تَنْـزِيلِ رَبِّنَا وَوَحْيِهِ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ رَغْبَةً مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ فِي أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُمْ مَا ابْتَلَى بِهِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ اتِّبَاعٍ مُتَشَابِهِ آيِ الْقُرْآنِ، ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ اللَّهِ: يَا رَبَّنَا، لَا تَجْعَلْنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْحَقِّ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِكَ "لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا)، لَا تَمِلْهَا فَتَصْرِفْهَا عَنْ هُدَاكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا لَهُ، فَوَفَّقْتَنَا لِلْإِيمَانِ بِمُحْكَمِ كِتَابِكَ وَمُتَشَابِهِه" وَهَبْ لَنَا "يَا رَبَّنَا" مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، يَعْنِي: مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، يَعْنِي بِذَلِكَ: هَبْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ تَوْفِيقًا وَثَبَاتًا لِلَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِمُحْكَمِ كِتَابِكَ وَمُتَشَابِهِهِ " إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، يَعْنِي: إِنَّكَ أَنْتَ الْمُعْطِي عِبَادَكَ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ لِلثَّبَاتِ عَلَى دِينِكَ، وَتَصْدِيقَ كِتَابِكَ وَرُسُلِكَ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، أَيْ: لَا تُمِلْ قُلُوبَنَا وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي مَدْحِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِمَا مَدَحَهُمْ بِهِ مِنْ رَغْبَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَهُمْ، وَأَنْ يُعْطِيَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ مَعُونَةً لَهُمْ لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الْبَصِيرَةِ بِالْحَقِّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مَا أَبَانَ عَنْ خَطَأِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ: أَنَّ إِزَاغَةَ اللَّهِ قَلْبَ مَنْ أَزَاغَ قَلْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ عَنْ طَاعَتِهِ وَإِمَالَتَهُ لَهُ عَنْهَا جَوْرٌ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا، لَكَانَ الَّذِينَ قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، بِالذَّمِّ أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمَدْحِ. لِأَنَّ الْقَوْلَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا، لَكَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَهُمْ أَنْ لَا يَظْلِمَهُمْ وَلَا يَجُورَ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ مِنَ السَّائِلِ جَهْلٌ، لِأَنَّاللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَظْلِمُ عِبَادَهُ وَلَا يَجُورُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ ذَلِكَ وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 46]. وَلَا وَجْهَ لِمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَةِ الَّتِي قَدْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ بِهَا. وَفِي فَسَادِ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِزَاغَةُ مَنْ أَزَاغَ قَلْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ مَنْ رَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغَهُ، لِتَوْجِيهِهِ الرَّغْبَةَ إِلَى أَهْلِهَا، وَوَضْعِهِ مَسْأَلَتَهُ مَوْضِعَهَا، مَعَ تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَغْبَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ، مَعَ مَحَلِّهِ مِنْهُ وَكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْأُمِّ سَلَمَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ! ثُمَّ قَرَأَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، إِلَى آخِرِ الْآيَة). حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْأَسْمَاءَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُأُمَّ سَلَمَةَتُحَدِّثُ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ! قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ الْقَلْبَ لَيُقَلَّبُ؟قَالَ: نَعَمْ، مَا خَلَقَ اللَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَشَرٍ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّنَا أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تُعْلِمَنِي دَعْوَةً أَدْعُو بِهَا لِنَفْسِي؟ قَالَ: بَلَى; قَوْلِي: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَن). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ: يُخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؟! قَالَ: إِنَّ الْقَلْبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَقُولُ بِهِمَا هَكَذَا» وَحَرَّكَ أَبُو أَحْمَدَ إِصْبَعَيْهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّ الطَّوْسَيَّ وَسَقَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُنْسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَا بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَيُخَافُ عَلَيْنَا؟! قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعَ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ بِشْرٍ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ: إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ-وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. » حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ الْبَهْرَانِيَّ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ فَاتَكٍ الْأَسَدِيِّ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (الْمَوَازِينُ بِيَدِ اللَّهِ، يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ أَقْوَامًا، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَه). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُ كَيْفَ يَشَاءُ. ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ. «حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُأُمَّ سَلَمَةَتَحَدِّثُ: » أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ الْقُلُوبَ لَتُقَلَّبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ بَشَرٌ إِلَّا إِنَّ قَلْبَهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعَ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبُّنَا أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (9] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِمْ: آمَنَّا بِمَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ كِتَابِ رَبِّنَا، كُلِّ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا: يَا رَبَّنَا، " إِنَّكَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ". وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ عَمَّا تُرِكَ ذِكْرُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَاغْفِرْ لَنَا يَوْمَئِذٍ وَاعْفُ عَنَّا، فَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ وَعْدَكَ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِكَ، وَاتَّبَعَ رَسُولَكَ، وَعَمِلَ بِالَّذِي أَمَرْتَهُ بِهِ فِي كِتَابِكَ، أَنَّكَ غَافِرُهُ يَوْمَئِذٍ. وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ الْقَوْمِ مَسْأَلَةٌ رَبَّهُمْ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ بَصِيرَتِهِمْ، بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ تَنْـزِيلِهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَجَبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ مِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ. فَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهَا مِنَ الْقَوْمِ مَسْأَلَةٌ وَدُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ إِلَى رَبِّهِمْ. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ)، فَإِنَّهُ: لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (لِيَوْمٍ)، فِي يَوْمٍ. وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ خَلْقَهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ فِي مَوْقِفٍ الْعَرْضْ وَالْحِسَابِ. " وَالْمِيعَادُ "" الْمُفْعَال" مِنَ " الْوَعْدِ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} (10] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا الْحَقَّ الَّذِي قَدْ عَرَفُوهُ مِنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمُنَافِقِيهِمْ وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِهِمُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَهُمْ يَتَّبِعُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لَنْ تُنْجِيَهُمْ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِنْ أَحَلَّهَا بِهِمْ- عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ بَعْدَ تَبَيُّنِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمُ الْمُتَشَابِهَ طَلَبَ اللَّبْسِ- فَتَدْفَعُهَا عَنْهُمْ، وَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ " وَقُودُ النَّارِ)، يَعْنِي بِذَلِكَ حَطَبَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (11] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا عِنْدَ حُلُولِ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ، كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ وَعَادَتِهِمْ "وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم" مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، فَأَخَذْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ حِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا حِينَ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا، كَالَّذِينِ عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رَبَّهُمْ مِنْ قَبْلِ آلِ فِرْعَوْنَ: مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَمْثَالِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: كَسُنَّتِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، يَقُولُ: كَسُنَّتِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: كَعَمَلِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ جَمِيعًا، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، قَالَ: كَعَمَلِ آلِ فِرْعَوْنَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، قَالَ: كَعَمَلِ آلِ فِرْعَوْنَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، قَالَ: كَفِعْلِهِمْ، كَتَكْذِيبِهِمْ حِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 31]، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ الَّذِي أَصَابَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. قَالَ: الدَّأْبُ الْعَمَلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَمِيلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، قَالَ: كَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ، كَشَأْنِ آلِ فِرْعَوْنَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)، قَالَ: كَصُنْعِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كَتَكْذِيبِ آلِ فِرْعَوْنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ)، ذَكَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَفْعَالَ تَكْذِيبِهِمْ، كَمَثَلِ تَكْذِيبِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَصْلُ " الدَّأْبِ" مِنْ: (دَأَبْتُ فِي الْأَمْرِ دَأْبًا)، إِذَا أَدْمَنْتُ الْعَمَلَ وَالتَّعَبَ فِيهِ. ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ نَقَلَتْ مَعْنَاهُ إِلَى الشَّأْنِ، وَالْأَمْرِ، وَالْعَادَةِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّ شِـفَائِي عَـبْرَةٌ مُهَرَاقَـةٌ *** فَهَـلْ عِنْـدَ رَسْـمٍ دَارِسٍ مِـنْ مُعَوَّلِ كَـدَأْبِكَ مِـنْأُمِّ الْحُـوَيْرِثِقَبْلَهَـا *** وَجَارَتِهَـاأُمِّ الرَّبَـابِبِمَأْسَـلِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: (كَدَأْبِكَ)، كَشَأْنِكَ وَأَمْرِكَ وَفِعْلِكَ. يُقَالُ مِنْهُ: (هَذَا دَأْبِي وَدَأْبُكَ أَبَدًا". يَعْنِي بِهِ فِعْلِي وَفِعْلَكَ، وَأَمْرِي وَأَمْرَكَ، وَشَأْنِي وَشَأْنَكَ، يُقَالُ مِنْهُ: (دَأَبْتُ دُؤُوبًا وَدَأْبًا". وَحُكِي عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: (دَأَبْتُ دَأَبًا)، مُثْقَلَةٌ مُحَرِّكَةِ الْهَمْزَةِ، كَمَا قِيلَ: (هَذَا شَعَرٌ، وَنَهَرٌ)، فَتَحَرَّكَ ثَانِيهِ لِأَنَّهُ حَرْفٌ مِنَ الْحُرُوفِ السِّتَّةِ، فَأَلْحَقُ "الدَّأْب" إِذْ كَانَ ثَانِيَهِ مِنَ الْحُرُوفِ السِّتَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَـهُ نَعَـلٌ لَا تَطَّبِـي الكَـلْبَ رِيحُهَـا *** وَإِنْ وُضِعَـتْ بَيْـنَ الْمَجَـالِسِ شُـمَّتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَاللَّهُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (12] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} بِالتَّاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلَّذِينِ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ سَيُغْلَبُونَ. وَاحْتَجُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ بِقَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ}. قَالُوا: فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (سَتُغْلَبُونَ)، كَذَلِكَ، خِطَابٌ لَهُمْ. وَذَلِكَ هُوَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَدْ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمَوْعُودِينَ بِأَنْ يُغْلَبُوا، هُمُ الَّذِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَأَهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ. لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْوَحْيِ حِينَ نَـزَلَ لِغَيْرِهِمْ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ: (قُلْتُ لِلْقَوْمِ: إِنَّكُمْ مَغْلُوبُونَ)، وَ" قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ". وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُم) [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 38]، وَهِيَ فِي قِرَاءَتِنَا: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ}. وَقَرَأَتْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ)، عَلَى مَعْنَى: قُلْ لِلْيَهُودِ: سَيُغْلَبُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ. وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، لَمْ يَجُزْ فِي قِرَاءَتِهِ غَيْرُ الْيَاءِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَخْتَارُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْ آيِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزِلْتُهُ إِلَيْكَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ: {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا قِرَاءَةَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْيَاءِ، لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ}، عَلَى أَنَّهُمْ بِقَوْلِهِ: (سَتُغْلَبُونَ " مُخَاطَبُونَ خِطَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ)، فَكَانَ إِلْحَاقُ الْخِطَابِ بِمِثْلِهِ مِنَ الْخِطَابِ أَوْلَى مِنَ الْخِطَابِ بِخِلَافِهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ غَائِبِ. وَأُخْرَى أَنَّ:- أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدِ مَوْلَى زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لِمَا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، جَمَعَ يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا ! فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا تَغُرَّنَّكَ نَفْسُكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَأْتِ مِثْلَنَا!! فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} " إِلَى قَوْلِهِ: (لِأُولِي الْأَبْصَارِ "). حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: (لِمَا أَصَابَ اللَّهُ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ، جَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ حِينَ قَدَّمَ الْمَدِينَة» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ يُونُسَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: (كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَـزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنَ النِّقْمَةِ، وَأَسْلِمُوا، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ! فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَرَى أَنَّا كَقَوْمِكَ! لَا يَغُرَّنَكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ فِيهِمْ فُرْصَةً! إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاكَ لَتَعْلَمَنَّ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ). حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا نَـزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِمْ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} "إِلَى" لِأُولِي الْأَبْصَارِ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، قَالَ فَنْحَاصَ الْيَهُودِيُّ فِي يَوْمِ بِدْرٍّ: لَا يَغُرَّنَّ مُحَمَّدًا أَنْ غَلَبَ قُرَيْشًا وَقَتَلَهُمْ! إِنَّ قُرَيْشًا لَا تُحْسِنُ الْقِتَالَ! فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ تُنَبِّئُ عَنْ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، هُمُ الْيَهُودُ الْمَقُولُ لَهُمْ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ)، الْآيَةَ- وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ، أَوْلَى مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالْيَاءِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَتَحْشُرُونَ)، وَتُجْمَعُونَ، فَتُجْلَبُونَ إِلَى جَهَنَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَبِئْسَ الْمِهَادُ)، وَبِئْسَ الْفِرَاشُ جَهَنَّمُ الَّتِي تُحْشَرُونَ إِلَيْهَا. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ كَالَّذِي:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَبِئْسَ الْمِهَادُ)، قَالَ: بِئْسَمَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ بَلَدِكَ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ)، يَعْنِي: عَلَامَةٌ وَدَلَّالَةٌ عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ إِنَّكُمْ سَتُغْلَبُونَ وَعِبْرَةٌ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ)، عِبْرَةٌ وَتَفَكُّرٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمُتَفَكَّرٌ. " فِي فِئَتَيْنِ)، يَعْنِي: فِي فِرْقَتَيْنِ وَحِزْبَيْنِ وَ" الْفِئَةُ "الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. "الْتَقَتَا" لِلْحَرْبِ، وَإِحْدَى الْفِئَتَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ شَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَالْأُخْرَى مُشْرِكُو قُرَيْشٍ. {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، جَمَاعَةٌ تُقَاتِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَلَى دِينِهِ، وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ " وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)، وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، كَمَا:- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ " وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)، فِئَةُ قُرَيْشٍ الْكَفَّارُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ " وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)، قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ}، قَالَ: فِي مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمُشْرِكِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، التَّقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَرُفِعَتْ: (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وَقَدْ قِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ: (فِي فِئَتَيْنِ)، بِمَعْنَى: إِحْدَاهُمَا تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ *** وَرِجْـلٌ رَمَـى فِيهَـا الزَّمَـانُ فَشَلَّتِ وَكَمَا قَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ: فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحَةٌ *** وَرِجْـلٌ بِهَـا رَيْـبٌ مِـنَ الحَدَثَـانِ فَأَمَّـا الَّتِـي صَحَّـتْ فَـأَزْدُ شَـنُوءَةٍ، *** وَأَمَّـا الَّتِـي شَـلَّتْ فَـأَزْدُ عُمَـانِ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ مُكَرَّرٍ عَلَى نَظِيرٍ لَهُ قَدْ تُقَدَّمُهُ، إِذَا كَانَ مَعَ الْمُكَرَّرِ خَبَرٌ تَرُدُّهُ عَلَى إِعْرَابِ الْأَوَّلِ مَرَّةً، وَتَسْتَأْنِفُهُ ثَانِيَةً بِالرَّفْعِ، وَتَنْصِبُهُ فِي التَّامِّ مِنَ الْفِعْلِ وَالنَّاقِصِ، وَقَدْ جُرَّ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَخُفِّضَ عَلَى الرَّدِّ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ يَعْنِي إِذَا خُفِّضَ ذَلِكَ: فَكُنْتُ كَذَلِكَ رِجْلَيْنِ: كَذِي رِجْلٍ صَحِيحَةٍ وَرِجْلٍ سَقِيمَةٍ. وَكَذَلِكَ الْخَفْضُ فِي قَوْلِهِ: (فِئَةٌ)، جَائِزٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)، فِي فِئَةٍ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا أَسْتُجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأةِ عَلَى خِلَافِهِ. وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: (فِئَةٌ)، جَاءَ نَصْبًا، كَانَ جَائِزًا أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)، مُخْتَلِفَتَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ قَرَأَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (تَرَوْنَهُمْ) بِالتَّاءِ، بِمَعْنَى: قَدْ كَانَ لَكُمْ أَيُّهَا الْيَهُودُ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْأُخْرَى كَافِرَةٌ، تَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ رَأيَ الْعَيْنِ. يُرِيدُ بِذَلِكَ عِظَتَهَمْ، يَقُولُ: إِنْ لَكُمْ عِبْرَةً، أَيُّهَا الْيَهُودُ، فِيمَا رَأَيْتُمْ مِنْ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَظَفَرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ بِهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: يَرَى الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْجَمَاعَةَ الْكَافِرَةَ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقَدْرِ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَتِهِمْ: قَدْ كَانَ لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، عِبْرَةٌ وَمُتَفَكَّرٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا: فِئَةٌ تَقَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ، يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ تَأْوِيلِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ؟ وَأَيُّ الْفِئَتَيْنِ رَأَتْ صَاحِبَتَهَا مِثْلَيْهَا؟ الْفِئَةُ الْمُسْلِمَةُ هِيَ الَّتِي رَأَتِ الْمُشْرِكَةَ مِثْلَيْهَا، أَمِ الْمُشْرِكَةُ هِيَ الَّتِي رَأَتِ الْمُسْلِمَةَ كَذَلِكَ، أَمْ غَيْرُهُمَا رَأَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَلِكَ؟ قِيلَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفِئَةُ الَّتِي رَأَتِ الْأُخْرَى مِثْلَيْ أَنْفُسِهَا الْفِئَةُ الْمُسْلِمَةُ رَأَتْ عَدَدَ الْفِئَةِ الْمُشْرِكَةِ مِثْلِي عَدَدِ الْفِئَةِ الْمُسَلَّمَةِ، قَلَّلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَعْيُنِهَا حَتَّى رَأَتْهَا مِثْلَيْ عَدَدِ أَنْفُسِهَا، ثُمَّ قَلَّلَهَا فِي حَالٍ أُخْرَى فَرَأَتْهَا مِثْلَ عَدَدِ أَنْفُسِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}، قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَدْ نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَرَأَيْنَاهُمْ يُضْعَفُونَ عَلَيْنَا، ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ يَزِيدُونَ عَلَيْنَا رَجُلًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 44] فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: قَدْ كَانَ لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا: إِحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ وَالْأُخْرَى كَافِرَةٌ، كَثِيرٌ عَدَدُ الْكَافِرَةِ، قَلِيلٌ عَدَدُ الْمُسْلِمَةِ، تَرَى الْفِئَةُ الْقَلِيلُ عَدَدُهَا الْكَثِيرَ عَدَدُهَا أَمْثَالًا أَنَّهَا إِنَّمَا تَكْثُرُ مِنَ الْعَدَدِ بِمِثْلِ وَاحِدٍ، فَهُمْ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ. فَيَكُونُ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ عِنْدَ ذَلِكَ: الْعَدَدُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ عَدَدِ الْفِئَةِ الَّتِي رَأَتْهُمْ، وَالْمَثَلُ الْآخَرُ الضَّعْفُ الزَّائِدُ عَلَى عَدَدِهِمْ. فَهَذَا أَحَدُ مَعْنَيَيِ التَّقْلِيلِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مِنْهُ: التَّقْلِيلُ الثَّانِي، عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَهُوَ أَنْ أَرَاهُمْ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَ عَدَدِهِمْ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ. فَذَلِكَ التَّقْلِيلُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا}. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: إِنَّ الَّذِينَ رَأَوُا الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ أَنْفُسِهِمْ، هُمُ الْمُسْلِمُونَ. غَيْرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ رَأَوْهُمْ عَلَى مَا كَانُوا بِهِ مِنْ عَدَدِهِمْ لَمْ يُقَلَّلُوا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ. قَالُوا: وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْيَهُودِ: قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ عِبْرَةٌ، يُخَوِّفُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِنْهُمْ مِثْلُ الَّذِي أَحَلَّ بِأَهْلِ بَدْرٍ عَلَى أَيْدِيهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}، أُنْـزِلَتْ فِي التَّخْفِيفِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِثْلَيْهِمْ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عِزَّ وَجَلَّ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَسِتَّمِائَةٍ، فَأَيَّدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ. فَكَانَ هَذَا الَّذِي فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خِلَافُ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِالْأَخْبَارُ عَنْ عِدَّةِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهِمْ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ عَدَدُهُمْ أَلْفًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا بَيْنَ التِّسْعِمَائَةِ إِلَى الْأَلْفِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: (كَانَ عَدَدُهُمْ أَلْفًا". حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: (سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ، مِنْهُمْ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيَّطٍ. فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ: كَمِ الْقَوْمُ؟ فَيَقُولُ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ! فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: كَمِ الْقَوْمُ؟ فَقَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ! فَجَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ، فَأَبَى. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: (كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ؟ قَالَ: عَشَرَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَوْمُ أَلْف). حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُوشَعَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ- يَعْنِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ- يَوْمَ بَدْرٍ، فَقُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: (كَانَ عَدَدُهُمْ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ ": حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: (بَعْثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَأَصَابُوا رَاوِيَةً مِنْ قُرَيْشٍ: فِيهَا أَسْلَمُ، غُلَامُ بَنِي الْحَجَّاجِ، وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارِ غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ. فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا: كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَا كَثِيرٌ! قَالَ: مَا عِدَّتُهُمْ؟ قَالَا لَا نَدْرِي! قَالَ: كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَا يَوْمًا تِسْعًا، وَيَوْمًا عَشْرًا. قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ). حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}، ذَلِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، أَلْفٌ الْمُشْرِكُونَ أَوْ قَارَبُوا، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ} " إِلَى قَوْلِهِ: (رَأْيَ الْعَيْنِ)، قَالَ: يُضْعَفُونَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرُّوا سَبْعِينَ، يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأَيَ الْعَيْنِ}، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مُخَالِفُونَ الْقَوْلَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. فَإِذْ كَانَ مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ- مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ عَدَدَهُمْ كَانَ زَائِدًا عَلَى التِّسْعِمِائَةِ- [صَحِيحًا]، فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قُلْنَاهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَيْنَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ عَدَدُ الْمُشْرِكِينَ زَائِدًا عَلَى التِّسْعِمِائَةِ، فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ عَدَدَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَا كَانُوا بِهِ مِنَ الْعَدَدِ. وَقَالُوا: أَرَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا آيَةً لِلْمُسْلِمِينَ. قَالُوا: وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ)، الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ}. قَالُوا: وَهُمُ الْيَهُودُ، غَيْرَ أَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَحَسَنٌ أَنْ يُخَاطِبَ مَرَّةً، وَيُخْبِرَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا قَالَ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سُورَةُ يُونُسَ: 22] وَقَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْمُسْلِمِينَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ وَعِنْدَهُ عَبْدٌ: (أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِهِ)، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَإِلَى مِثْلِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: (أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْهِ)، فَيَكُونُ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَاجَتِهِ إِلَى مِثْلِهِ، وَإِلَى مِثْلَيْ ذَلِكَ الْمِثْلِ. وَكَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: (مَعِي أَلْفٌ وَأَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْهِ". فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ثَلَاثَةٍ. فَلَمَّا نَوَى أَنْ يَكُونَ "الْأَلْف" دَاخِلًا فِي مَعْنَى "الْمِثْل" صَارَ "الْمِثْل" اثْنَيْنِ، وَالِاثْنَانِ ثَلَاثَةً. قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: (أَرَاكُمْ مِثْلَكُمْ)، كَأَنَّهُ قَالَ: أَرَاكُمْ ضَعْفَكُمْ " وَأَرَاكُمْ مِثْلَيْكُمْ". يَعْنِي: أَرَاكُمْ ضِعْفَيْكُمْ. قَالُوا: فَهَذَا عَلَى مَعْنَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّاللَّهَ أَرَى الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ عَدَدَ الْفِئَةِ الْمُسْلِمَةِ مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ. وَهَذَا أَيْضًا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 44]، فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَلَّلَ عَدَدَهَا فِي مَرْأَى الْأُخْرَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَرَأَ آخَرُونَ ذَلِكَ: (تُرَوْنَهُمْ) بِضَمِّ التَّاءِ، بِمَعْنَى: يُرِيكُمُوهُمُ اللَّهُ مِثْلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (يَرَوْنَهُمْ " بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ- يَعْنِي: مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، لِتَقْلِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالٍ، فَكَانَ حَزْرُهُمْ إِيَّاهُمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ عَنِ التَّقْلِيلِ الْأَوَّلِ، فَحَزَرُوهُمْ مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَقْلِيلًا ثَالِثًا، فَحَزَرُوهُمْ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: تَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً. قَالَ: فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ كَانَتْ: (تَرَوْنَهُمْ)، لَكَانَتْ " مِثْلَيْكُمْ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي الْخِبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مَا أَبَانَ عَنِ اخْتِلَافِ حَزْرِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- عَمَّا كَانَ مِنَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ عَدَدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ- الْيَهُودَ، عَلَى مَا كَانَ بِهِ عِنْدَهُمْ، مَعَ عِلْمِ الْيَهُودِ بِمَبْلَغِ عَدَدِ الْفِئَتَيْنِ إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ مُؤَيِّدٌ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ، لِئَلَّا يَغْتَرُّوا بِعَدَدِهِمْ وَبَأْسِهِمْ، وَلِيَحْذَرُوا مِنْهُ أَنْ يُحِلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، مِثْلَ الَّذِي أَحَلَّ بِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِبَدْرٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (رَأْيَ الْعَيْنِ)، فَإِنَّهُ مَصْدَرُ "رَأَيْتُهُ "يُقَالُ: (رَأَيْتُهُ رَأْيًا وَرُؤْيَةً)، وَ" رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا حَسَنَةً)، غَيْرَ مُجْرَاةٍ. يُقَالُ: (هُوَ مِنِّي رَأْيَ الْعَيْنِ، وَرِئَاءَ الْعَيْنِ)، بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، يُرَادُ: حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرِي، وَهُوَ مِن" الرَّأْيِ " مِثْلُهُ. وَ" الْقَوْمُ رِئَاءٌ)، إِذَا جَلَسُوا حَيْثُ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَمَعْنَى ذَلِكَ: يَرَوْنَهُمْ- حَيْثُ تَلْحَقُهُمْ أَبْصَارُهُمْ وَتَرَاهُمْ عُيُونُهُمْ- مِثْلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (13] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ)، يُقَوِّي " بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ". مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: (قَدْ أَيَّدْتُ فُلَانًا بِكَذَا)، إِذَا قَوَّيْتُهُ وَأَعَنْتُهُ، "فَأَنَا أُؤَيِّدُهُ تَأْيِيدًا". وَ" فَعَلْت" مِنْهُ: (إِدَّتُهُ فَأَنَا أَئِيدُهُ أَيْدًا)، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} [سُورَةُ ص: 17]، يَعْنِي: ذَا الْقُوَّةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَدْ كَانَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، إِحْدَاهُمَا تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ، يَرَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ أُعِينِهِمْ، فَأَيَّدْنَا الْمُسَلِّمَةَ وَهُمْ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ، عَلَى الْكَافِرَةِ وَهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَتَّى ظَفِرُوا بِهِمْ- مُعْتَبَرٌ وَمُتَفَكَّرٌ، وَاللَّهُ يُقَوِّي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ "إِنَّ فِي ذَلِكَ)، يَعْنِي: إِنْ فِيمَا فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ: مِنْ تَأْيِيدِنَا الْفِئَةَ الْمُسَلِّمَةَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهَا، عَلَى الْفِئَةِ الْكَافِرَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهَا" لَعِبْرَةً)، يَعْنِي: لَمُتَفَكَّرًا وَمُتَّعَظًا لِمَنْ عَقَلَ وَادَّكَرَ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، يَقُولُ: لَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ عِبْرَةٌ وَتَفَكُّرٌ، أَيَّدَهُمُ اللَّهُ وَنَصَرَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ مَحَبَّةُ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ وَسَائِرِ مَا عَدَّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَتَوْبِيخَ الْيَهُودِ الَّذِينَ آثَرُوا الدُّنْيَا وَحُبَّ الرِّيَاسَةِ فِيهَا، عَلَى اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مِنْ زَيْنِهَا مَا أَحَدٌ أَشَدُّ لَهَا ذَمًّا مِنْ خَالِقِهَا!! حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ: لَمَّا نَـزَلَ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}، قُلْتُ: الْآنَ يَا رَبِّ حِينَ زَيَّنْتَهَا لَنَا! فَنَـزَلَتْ: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 15]، الْآيَةَ. وَأَمَّا "الْقَنَاطِير" فَإِنَّهَا جَمْعُ " الْقِنْطَارِ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَبْلَغِ الْقِنْطَارِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَلْفٌ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: الْقِنْطَارُ: أَلْفٌ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا- يَعْنِي حَفْصَ بْنَ مَيْسَرَةَ- عَنْ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِي طَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا أُوقِيَّةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَلَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبَى مَيْمُونَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقِنْطَارُ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ وَمِئَتَا أُوقِيَّة). وَقَالَ آخَرُونَ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِئَتَا دِينَارٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عُمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَار). حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْقِنْطَارُ: أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَارٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَارٍ، وَمِنِ الْفِضَّةِ أَلْفٌ وَمِئَتَا مِثْقَالٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ: (الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ)، يَعْنِي: الْمَالُ الْكَثِيرُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِئَتَا دِينَارٍ، وَمِنِ الْفِضَّةِ أَلْفٌ وَمِئَتَا مِثْقَالٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَمِنَ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الْقِنْطَارَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا.................... قَالَ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ، دِيَةُ أَحَدِكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ ثَمَانُونَ أَلْفًا مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ مِائَةُ رِطْلٍ مِنَ الذَّهَبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْقِنْطَارُ ثَمَانُونَ أَلْفًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْقِنْطَارُ ثَمَانُونَ أَلْفًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْقِنْطَارَ مِائَةُ رِطْلٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفًا مِنَ الْوَرِقِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقِنْطَارُ مِائَةُ رِطْلٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ وَرِقِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: الْقِنْطَارُ مِائَةُ رِطْلٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنْ السُّدِّيِّ: الْقِنْطَارُ يَكُونُ مِائَةَ رِطْلٍ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقِنْطَارُ سَبْعُونَ أَلْفًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ)، قَالَ: الْقِنْطَارُ: سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الْقِنْطَارِ فَقَالَ: سَبْعُونَ أَلْفًا. وَقَالَ آخَرُونِ: هِيَ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: مَلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: مَلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: (الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ)، الْمَالُ الْكَثِيرُ، بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: أَنْالْعَرَبَ لَا تَحِدُّ الْقِنْطَارَ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنَ الْوَزْنِ، وَلَكِنَّهَا تَقُولُ: (هُوَ قَدْرُ وَزْنٍ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا قَدْرُهُ عِنْدَهَا، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ كُلُّ هَذَا الِاخْتِلَافِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ، كَمَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَلَا يُحَدُّ قَدْرُ وَزْنِهِ بِحَدٍّ عَلَى تَعَسُّفٍ. وَقَدْ قِيلَ مَا قِيلَ مِمَّا رَوَيْنَا. وَأَمَّا "الْمُقَنْطَرَةُ)، فَهِيَ الْمُضَعَّفَةُ، وَكَأَن" الْقَنَاطِيرَ "ثَلَاثَةٌ، وَ" الْمُقَنْطَرَة" تِسْعَةٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمَالُ الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: (الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)، وَالْمُقَنْطَرَةُ الْمَالُ الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ: (الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ)، يَعْنِي: الْمَالُ الْكَثِيرُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى " الْمُقَنْطَرَةِ ": الْمَضْرُوبَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: (الْمُقَنْطَرَةُ)، فَيَقُولُ: الْمَضْرُوبَةُ حَتَّى صَارَتْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} "- خَبَرٌ لَوْ صَحَّ سَنَدُهُ، لَمْ نَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَحَمِيدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20]، قَالَ: أَلْفَا مِئِينَ يَعْنِي أَلْفَيْن).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى " الْمُسَوَّمَةِ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الرَّاعِيَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: (الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، قَالَ: الرَّاعِيَةُ، الَّتِي تَرْعَى. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: هِيَ الرَّاعِيَةُ، يَعْنِي: السَّائِمَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ الْقَنَّادِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى يَقُولُ: الرَّاعِيَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ". قَالَ: الرَّاعِيَةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ،: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ": الْمُسَرَّحَةُ فِي الرَّعْيِ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ، قَالَ: الْخَيْلُ الرَّاعِيَةُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ ثِنًّا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخَيْلُ الرَّاعِيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: (الْمُسَوَّمَةُ ": الْحِسَانُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: (الْمُسَوَّمَةُ)، الْمُطَهَّمَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، قَالَ: الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، قَالَ: الْمُطَهَّمَةُ حُسْنًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: الْمُطَهَّمَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنِ " الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، قَالَ: تَسْوِيمُهَا، حُسْنُهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: (الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، قَالَ: تَسْوِيمُهَا: الْحُسْنُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: (الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ وَالْأَنْعَامُ)، الرَّائِعَةُ. وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ غَيْرُ مُوسَى قَالَ: الرَّاعِيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: (الْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، الْمُعْلَمَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، يَعْنِي: الْمُعْلَمَةُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: (وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، وَسِيمَاهَا شِيَتُهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: (وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، قَالَ: شِيَةُ الْخَيْلِ فِي وُجُوهِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: (الْمُسَوَّمَةُ)، الْمُعَدَّةُ لِلْجِهَادِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: (وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ)، قَالَ: الْمُعَدَّةُ لِلْجِهَادِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)، الْمُعْلَمَةُ بِالشِّيَاتِ، الْحِسَانُ، الرَّائِعَةُ حُسْنًا مَنْ رَآهَا. لِأَنَّ "التَّسْوِيم" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْإِعْلَامُ. فَالْخَيْلُ الْحِسَانُ مُعْلَمَةٌ بِإِعْلَامِ اللَّهِ إِيَّاهَا بِالْحُسْنِ مِنْ أَلْوَانِهَا وَشِيَاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا، وَهِيَ " الْمُطَهَّمَةُ)، أَيْضًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ: بِضُمْـرٍ كَـالقِدَاحِ مُسـوَّمَاتٍ *** عَلَيْهَـا مَعْشَـرٌ أَشْـبَاهُ جِـنِّ يَعْنِي بـِ "الْمُسَوَّمَات" الْمُعَلَّمَاتِ، وَقَوْلُ لَبِيَدٍ: وَغَـدَاةَ قَـاعِ القُـرْنَتَيْنِ أَتَيْنَهُـمْ *** زُجَـلًا يُلُـوحُ خِلالَهَـا التَّسْـوِيمُ فَمَعْنَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ: (الْمُطَهَّمَةَ، وَالْمُعَلَّمَةَ، وَالرَّائِعَةَ " وَاحِدٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى الرَّاعِيَةِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: (أَسَمْتُ الْمَاشِيَةَ فَأَنَا أُسِيمُهَا إِسَامَةً)، إِذَا رَعَيْتُهَا الْكَلَأ وَالْعُشْبَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 10]، بِمَعْنَى: تَرْعَوْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ: مِثْـلَ ابْـنِ بَزْعَـةَ أَوْ كـآخَرَ مِثْلِـهِ *** أَوْلَـى لَـكَ ابْـنَ مُسِـيمَةِ الأجْمَـالِ! يَعْنِي بِذَلِكَ رَاعِيَةَ الْأَجْمَالِ. فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ هِيَ الَّتِي رَعَتْ، قِيلَ: (سَامَتِ الْمَاشِيَةُ تَسُومُ سَوْمًا)، وَلِذَلِكَ قِيلَ: (إِبِلٌ سَائِمَةٌ)، بِمَعْنَى رَاعِيَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ فِي كَلَامِهِمْ: (سَوَّمْتُ الْمَاشِيَةَ)، بِمَعْنَى أَرَعَيْتُهَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ: (أَسْمْتُهَا". فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَوْجِيهُ تَأْوِيلِ "الْمُسَوَّمَة" إِلَى أَنَّهَا "الْمُعَلَّمَة" بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا أَصَحُّ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ: مِنْ أَنَّهَا الْمُعَدَّةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَتَأْوِيلٌ مِنْ مَعْنَى "الْمُسَوَّمَة" بِمَعْزِلٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَـ "الْأَنْعَام" جَمْعُ " نَعْمٍ)، وَهِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ: مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ. وَأَمَّا "الْحَرْث" فَهُوَ الزَّرْعُ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبِّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَمِنِ الْبَنِينَ، وَمِنْ كَذَا، وَمِنْ كَذَا، وَمِنِ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (14] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (ذَلِكَ)، جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ. فَكَنَّى بِقَوْلِهِ: (ذَلِكَ "عَنْ جَمِيعِهِنَّ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن" ذَلِكَ " يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي، وَيُكَنَّى بِهِ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُهَا أَحْيَاءً، فَيَتَبَلَّغُونَ بِهِ فِيهَا، وَيَجْعَلُونَهُ وَصْلَةً فِي مَعَايِشِهِمْ، وَسَبَبًا لِقَضَاءِ شَهَوَاتِهِمْ، الَّتِي زُيِّنَ لَهُمْ حُبُّهَا فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُمْ، دُونَ أَنْ تَكُونَ عِدَّةً لِمَعَادِهِمْ، وَقُرْبَةً لَهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، إِلَّا مَا أُسْلِكَ فِي سَبِيلِهِ، وَأُنْفِقُ مِنْهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَعِنْدَ اللَّهِ حُسْنُ الْمَآبِ يَعْنِي: حُسْنُ الْمَرْجِعِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، يَقُولُ: حَسُنَ الْمُنْقَلَبُ، وَهِيَ الْجَنَّةُ. وَهُوَ مَصْدَرٌ عَلَى مِثَالِ "مَفْعَل" مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: (آبَ الرَّجُلُ إِلَيْنَا)، إِذَا رَجَعَ، "فَهُوَ يَئُوبُ إِيَابًا وَأَوْبَةً وَأَيْبَةً وَمَآبًا)، غَيْرَ أَنَّ مَوْضِعَ الْفَاءِ مِنْهَا مَهْمُوزٌ، وَالْعَيْنُ مُبْدَلَةٌ مِن" الْوَاوِ "إِلَى" الْأَلِفِ "بِحَرَكَتِهَا إِلَى الْفَتْحِ. فَلَمَّا كَانَ حَظُّهَا الْحَرَكَةَ إِلَى الْفَتْحِ، وَكَانَتْ حَرَكَتُهَا مَنْقُولَةٌ إِلَى الْحَرْفِ الَّذِي قَبْلَهَا- وَهُوَ فَاءُ الْفِعْلِ- انْقَلَبَتْ فَصَارَت" أَلِفًا)، كَمَا قِيلَ: (قَالَ "فَصَارَتْ عَيْنُ الْفِعْل" أَلِفًا)، لِأَنَّ حَظَّهَا الْفَتْحُ. "وَالْمَآبُ "مِثْل" الْمَقَالِ "وَ" الْمَعَاد" وَ" الْمَجَالِ)، كُلُّ ذَلِكَ "مَفْعَل" مَنْقُولَةٌ حَرَكَةُ عَيْنِهِ إِلَى فَائِهِ، فَمُصَيَّرَةٌ وَاوُهُ أَوْ يَاؤُهُ "أَلِفًا" لِفَتْحَةِ مَا قَبْلَهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَلِيمِ الْعَذَابِ وَشَدِيدِ الْعِقَابِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مَعْنِيٌّ بِهِ خَاصٌّ مِنَ النَّاسِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ. وَقَدْ أَنْبَأَنَا عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا. فَإِنْ قَالَ: وَمَا " حُسْنُ الْمَآبِ "؟قِيلَ: هُوَ مَا وَصَفَهُ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ الْمَرْجِعُ إِلَى جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ مُخَلَّدًا فِيهَا، وَإِلَى أَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ وَرِضْوَانٍ مِنَ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، لِلنَّاسِ الَّذِينَ زُيِّنَ لَهُمْ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ، وَسَائِرِ مَا ذَكَرَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (أَؤُنَبِّئُكُمْ)، أَأُخْبِرُكُمْ وَأُعْلِمُكُمْ "بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ)، يَعْنِي: بِخَيْرٍ وَأَفْضَلَ لَكُم" مِنْ ذَلِكُمْ)، يَعْنِي: مِمَّا زُيِّنَ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا حُبُّ شَهْوَتِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَمَتَاعُ الدُّنْيَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنَاهَى إِلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَنَاهَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: (مِنْ ذَلِكُمْ)، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَمَّا لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَقِيلَ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)، فَلِذَلِكَ رَفَعَ " الْجَنَّاتِ". وَمِنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِ: (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ "إِلَّا الرَّفْعُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ غَيْرُ مَرْدُودٍ عَلَى قَوْلِهِ: (بِخَيْرٍ)، فَيَكُونُ الْخَفْضُ فِيهِ جَائِزًا. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مُبْتَدَأٌ عِنْدَهُمْ، فَفِيهِ إِبَانَةٌ عَنْ مَعْنَى" الْخَيْرِ "الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: لِلنَّاسِ: أَؤُنَبِّئُكُمْ بِهِ؟" وَالْجَنَّاتُ " عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَرْفُوعَةٌ بِاللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ". وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ جُعِلَتِ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (لِلَّذِينِ "مِنْ صِلَة" الْإِنْبَاءِ)، جَازَ فِي "الْجَنَّات" الْخَفْضُ وَالرَّفْعُ: الْخَفْضُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى "الْخَيْرِ)، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا" خَبَرَ مُبْتَدَأٍ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ قَبْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مُنْتَهَى الِاسْتِفْهَامِ قَوْلُهُ: (عِنْدَ رَبِّهِمْ)، ثُمَّ ابْتَدَأَ: (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ". وَقَالُوا: تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: (قُلْ أَؤُنَبِئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ)، ثُمَّ كَأَنَّهُ قِيلَ: (مَاذَا لَهُمْ". أَوْ: (مَا ذَاكَ "؟ فَقَالَ: هُوَ " جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، الْآيَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مِنْ جَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ مُتَنَاهِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ: (بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ)، وَالْخَبَرَ بَعْدَهُ مُبْتَدَأٌ عَمَّنْ لَهُ الْجَنَّاتُ بِقَوْلِهِ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ)، فَيَكُونُ مَخْرَجُ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ، وَهُوَ إِبَانَةٌ عَنْ مَعْنَى "الْخَيْر" الَّذِي قَالَ: أَؤُنَبِّئُكُمْ بِهِ؟ فَلَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ حِينَئِذٍ حَاجَةً إِلَى ضَمِيرٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: (خَالِدِينَ فِيهَا)، فَمَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا)، لِلَّذِينِ خَافُوا اللَّهَ فَأَطَاعُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. "عِنْدَ رَبِّهِمْ)، يَعْنِي بِذَلِكَ: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ عِنْدَ رَبِّهِمْ. "وَالْجَنَّاتُ)، الْبَسَاتِينُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالشَّوَاهِدِ فِيمَا مَضَى وَأَنَّ قَوْلَهُ: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، يَعْنِي بِهِ: مِنْ تَحْتِ الْأَشْجَارِ، وَأَن" الْخُلُودَ "فِيهَا دَوَامُ الْبَقَاءِ فِيهَا، وَأَن" الْأَزْوَاجَ الْمُطَهَّرَةَ)، هُنَّنِسَاءُ الْجَنَّةِاللَّوَاتِي طُهِّرْنَ مِنْ كُلِّ أَذًى يَكُونُ بِنِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِنَ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَالنِّفَاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ)، يَعْنِي: وَرِضَى اللَّهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْ فُلَانٍ فَهُوَ يَرْضَى عَنْهُ رِضًى "مَنْقُوص" وَرِضْوَانًا وَرُضْوَانًا وَمَرْضَاةً". فَأَمَّا "الرُّضْوَان" بِضَمِّ الرَّاءِ، فَهُوَ لُغَةُ قَيْسٍ، وَبِهِ كَانَ عَاصِمُ يَقْرَأُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَا ذَكَرَ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ رِضْوَانِهِ، لِأَنَّ رِضْوَانَهُ أَعْلَى مَنَازِلَ كَرَامَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا! فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: رِضْوَانِي). وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاللَّهُ ذُو بَصَرٍ بِالَّذِي يَتَّقِيهِمِنْ عِبَادِهِ فَيَخَافُهُ، فَيُطِيعُهُ، وَيُؤْثِرُ مَا عِنْدَهُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لِلَّذِينِ اتَّقَوْهُ عَلَى حُبِّ مَا زُيِّنَ لَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ وَسَائِرِ مَا عَدَّدَ مِنْهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ وَبِالَّذِي لَا يَتَّقِيهِ فَيَخَافُهُ، وَلَكِنَّهُ يَعْصِيهِ وَيُطِيعُ الشَّيْطَانَ وَيُؤْثِرُ مَا زُيِّنَ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُبِّ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ وَالْأَمْوَالِ، عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ عَالِمٌ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، حَتَّى يُجَازِيَ كُلَّهُمْ عِنْدَ مَعَادِهِمْ إِلَيْهِ جَزَاءَهُمْ، الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (16] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ. قُلْ هَلْ أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينِ اتَّقَوْا، [الَّذِينَ] يَقُولُونَ: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. وَقَدْ يَحْتَمِلُ "الَّذِينَ يَقُولُونَ)، وَجْهَيْنِ مِنَ الْإِعْرَابِ: الْخَفْضُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى" الَّذِينَ "الْأُولَى، وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، إِذْ كَانَ فِي مُبْتَدَأِ آيَةٍ أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي فِيهَا" الَّذِينَ " الْأُولَى، فَيَكُونُ رَفْعُهَا نَظِيرَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 111]، ثُمَّ قَالَ فِي مُبْتَدَأِ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 112]. وَلَوْ كَانَ جَاءَ ذَلِكَ مَخْفُوضًا كَانَ جَائِزًا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} ": الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّنَا صَدَّقْنَا بِكَ وَبِنَبِيِّكَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِكَ "فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)، يَقُولُ: فَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا، بِعَفْوِكَ عَنْهَا، وَتَرْكِكَ عُقُوبَتَنَا عَلَيْهَا" وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، ادْفَعْ عَنَّا عَذَابَكَ إِيَّانَا بِالنَّارِ أَنْ تُعَذِّبَنَا بِهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُعَذِّبْنَا يَا رَبَّنَا بِالنَّارِ. وَإِنَّمَا خَصُّوا الْمَسْأَلَةَ بِأَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ النَّارِ، لِأَنَّمَنْ زُحْزِحَ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّارِ فَقَدْ فَازَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِوَحَسُنَ مَآبُهُ. وَأَصْلُ قَوْلِهِ: (قِنَا "مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: (وَقَى اللَّهُ فُلَانًا كَذَا)، يُرَادُ: دَفَعَ عَنْهُ، " فَهُوَ يَقِيهِ". فَإِذَا سَأَلَ بِذَلِكَ سَائِلٌ قَالَ: (قِنِي كَذَا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: (الصَّابِرِينَ)، الَّذِينَ صَبَرُوا فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ. وَيَعْنِي بـِ " الصَّادِقِينَ)، الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ فِي قَوْلِهِمْ بِتَحْقِيقِهِمُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، بِالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ. وَيَعْنِي بـِ " الْقَانِتِينَ)، الْمُطِيعِينَ لَهُ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْإِبَانَةِ عَنْ كُلِّ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَمَعَانِيهَا بِالشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِيهَا، وَبِالْأَخْبَارِ عَمَّنْ قَالَ فِيهَا قَوْلًا فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ}، "الصَّادِقِينَ ": قَوْمٌ صَدَقَتْ أَفْوَاهُهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، وَصَدَقُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَة" وَالصَّابِرِينَ)، قَوْمٌ صَبَرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبَرُوا عَنْ مَحَارِمِهِ " وَالْقَانِتُونَ)، هُمُ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ. وَأَمَّا " الْمُنْفِقُونَ)، فَهُمُ الْمُؤْتُونَ زِكْوَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَوَاضِعُوهَا عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِتْيَانِهَا، وَالْمُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِنْفَاقِهَا فِيهَا. وَأَمَّا "الصَّابِرِين" وَ" الصَّادِقِينَ)، وَسَائِرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ، فَمَخْفُوضٌ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}، وَالْخَفْضُ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (الَّذِينَ يَقُولُونَ " خَفْضٌ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (لِلَّذِينِ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (17] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْالْمُصَلُّونَ بِالْأَسْحَارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، هُمْ أَهْلُ الصَّلَاةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، قَالَ: يُصَلُّونَ بِالْأَسْحَارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ الْمُسْتَغْفِرُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ أَبِي مَطَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي السَّحَرِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ أَمَرْتَنِي فَأَطَعْتُكَ، وَهَذَا سَحَرٌ، فَاغْفِرْ لِي. فَنَظَرْتُ فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، أَسْحَرْنَا؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ، فَإِذَا قُلْتُ: نَعَمْ! قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ بِالْأَسْحَارِ سَبْعِينَ اسْتِغْفَارَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبُ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ اسْتَغْفِرْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ سَبْعِينَ مَرَّةً، كُتُبَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو الْقَعْنَبِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: مَنِ " الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الصُّبْحَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمُ السَّائِلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِمْ فَضِيحَتَهُمْ بِهَا. " بِالْأَسْحَارِ "وَهَى جَمْع" سَحَرٍ". وَأَظْهَرُ مَعَانِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: تَعَرُّضُهُمْ لِمَغْفِرَتِهِ بِالْعَمَلِ وَالصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّ أَظْهَرَ مَعَانِيَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الدُّعَاءِ.
|